في ليلة قمراء امتزج بريقها الأسود بإشعاعاتها البيضاء, واختلط ضياؤها الخافت بظلمتها الحلكة وأشرف بردها القارس ينازل حرها القاتل, وتشابكت فيها السكنات الحالمة بضجيج العاصفة.......
ليلة امتزج فيها كل شي حتى غدت صورة ذات ألوان فريدة, لم يرها ولن يرها سواي......
شعرت فيها بقطرة ندى دافئة تداعب أحدى وجنتي بينما تطل ابتسامة عريضة تلوح على وجنتي الأخرى.... وبين هذه وتلك تقع في الحيرة شفتاي ؟؟! أتكون وردة أقحوانية ضاحكة أم زهرة نرجسية باكية؟؟ كل ذلك وأنا اطل من شرفة عاليه لأرى عالما غريب .. وبعد عناء طويل.. رأيت فيه ما رأيت وسمعت فيه ما سمعت ... الإنسان يتلذذ وهو ينهش في لحم أخيه .. وكأنه استعار من الوحوش أنيابها والحياة تحولت إلى غاب مخيف ... الكل لا يرى إلا نفسه..ولا يسمع إلا صدى صوته , هناك من اظهر المثالية..وفي الخفاء يبني بيوت العنكبوت , وهناك من يعبث بمشاعر غيره , ولا يبالي إذا كان قد ذبحه في عميق إحساسه, واحدث فيه من الجروح مالا يداويه الطبيب. لقد بت متعبة حتى من التفكير, عاجزة حتى عن الصمت, لحظات تمر أنسى أن لي ثغرا يستطيع أن يبتسم, وأذننا يطربها أهازيج الفرح, ليتني أعود طفلا.. ليتني أعود طفلا.. لم يزل واقفا في سبات طفولة بريئة , طفلا يرى الدنيا بوجه واحد . ولا يسمع منها إلا النغمات الهادئة .. الحياة عنده حضن دافئ. ومداعبة حلوة, ليتني طفلا, لم أزل أتسلق والدي ويضمني صدر والدتي. الحياة عندي مدحرجة بين بسمات أمي وضحكات إخوتي وقبلات أبي . طفلا عيناه وأذناه ليس فيهما من المراكز ما يعكس الأحقاد أو يستقبل الوشايات.. طفلا لم يزل معجمه نقبا من كليمات المكر , وطعنات الخديعة , طفلا لم يزل يرى الدنيا حلوة لأنه لم يتجرع مرارتها , ولم يزل يراها جميلة لأنه لم يلمح قبحها , لبتني طفلا لم يزل جاهلا بتبعات هذه الدنيا . فهو يضحك لان من حوله يضحكون, ويبكي لان من حوله يبكون. طفلا نراه مسرعا تسابق خطاه قدماه..أسعيا في تدبير مكيدة يحرق بها من حوله؟ لا ... ولكنه يسابق أمه, وقد رأى سكينا فأراد الحصول عليها قبل أن تبعدها أمه, وان كان الثمن جرحا عميقا في إحدى يديه.
ليتني أعود طفلا ... لا تهمني عيون الناس وهي ترمقني ولاعباتهم وهي تصوب تجاهي ...ليتني أعود طفلا افعل ما أريد.....وأقول ما أريد وأتحرك كيفما اريد.